BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS »

Monday 11 August 2014

طيــف آخر







بأحد اروقه الزمن قبعت شمعة ظللها سوادها عن الأعين فلم يُر دخانها او يبزغ عطر لهبها ..


جوار الجدار الحجري بقت الشمعه تراقب الغادين و الرائحين , احاط بالجدار قصر حملت ابوابه لون العنب و اعمدته نقش لشياطين , اقمار , دوائر و زهور منمنمه ..


احبت انطفاء الوان الثياب الملكية لكنها لم تستسغ زركشتها , احبت رائحه الخبز بالأفران لكن الاقدام التي حملته كانت حافية , تجمعت حلقات الضاحكين و علت اصواتهم , مزامير الامراء كللت الحشد فكانت البسمات بحساب و الحركات يطوقها دخان الحرص ..


اصطف الفرسان جوار الملوك لا هذا مغادر ولا هذا منتبه , حفل قدم جنه الازدهار حيث كل شئ ممكن و المستتر مسموح , جنه الحرير و شذا اقنعه مذهبه , ما جحيم هذه الجنه ؟ تساءلت الشمعة لكن الإجابه غابت خلف الشراشف البيضاء و اللؤلؤ حول الأعناق ..



حين انتصف الليل تلاشي الحشد , ساد الصمت القاعات و عوضاً عن البشر الراقصين سكنت لوحات زيتيه فوق الجدران , الأرض الملونه اصبحت خاويه بارده و الستائر الشفافه حملتها الرياح فطفت عاجزه عن البقاء بموضعها او الإنفلات بعيداً ..


انتهت دقات منتصف الليل فسُمع همس بالقاعات , اتي حشد آخر فذابت اللوحات امام نوافذ زجاجية تداخلت بها الوان الكون و السماء , ظلت الجدران حول الزجاج حجرية لكنها تشبعت بنسيم خفي , ابتسم النسيم حين مر المجتمعين مسربلين برداء موحد , بساطته بساطه المقاعد البندقيه الرابضه فوق رخام الأرض الرمادي , و فخامته فخامه الملائكه متعانقه الأصابع بالسقف ..


بالقاعه اُنشدت تراتيل وارت بسمتها دمعة شوق , لم يكن الشوق رهن الأرض بل كان منحوتاً وسط الهائمين بالأعلي حيث السقف و الحلم بالسمو ..


حكت التراتيل عن جنه مفقوده ماؤها سلام و سماؤها فضه قمرية , احتضنت الجنه كل ثمره اضاعها البرد , كل شذا مفقود وجد بها مأوي ..


لم تفصح التراتيل عن مكان الجنه , و حين تساءلت الشمعة ظلت الإجابه بين ملائكه السقف و خواء الجدران , قريبه لكنها سابحه بعيداً بعد الأسرار ..


حين بزغ الفجر رحل رهبان القاعه و تلاشت التراتيل , لم يبقي سوي خشب تشبع بالقِدم , تماثيل رخامية الأعين و ضربات قلب منفلته تناقلتها الأطياف النائمه جوار الجدران ..


اعتاد القمر منح القاعه ازرق الليل و الوان الزجاج لكن التراب حل محل القمر و التراب عنوان الرحيل ..

ثم اشرقت الشمس , تساقطت الحجاره فلم يبق سوي ساحه احاطت بها اعمده ملساء , بالمنتصف نهضت شجرة جذرها قديم قدم الزمن , اخاديدها اخاديد بسمات العجائز , حولها حُفر حوض ابيض سُمع به خرير ماء قطر فيه ندي الصباح الصافي ..


ثم اتي القوم حاملين كنوزهم , نادوا أن هلموا فقد جلبنا لكم جنه الأسواق , جنه الحياة و ثمارها , اجتمع الناس بين مشتري و مجادل , ركض الأطفال و تنازع الرجال , حملت امرأه الفطائر إلي منزلها و خرجت طفله من بيتها تنشد للياسمين حديث التفتح بسلتها أن هل من مشتري ؟


جلس البعض حول جدول الماء و استظل آخرين بالشجرة , كان للصباح رائحة العشب , الماء , الحلوي الساخنه, و دخان الزهور , لونه ازرق كالبحر , مشرق كالتوت , واعد كالتفاح وغائم كخمار العذراوات ..


كانت جنه الأنفاس , الضحكات و الوعود , جنه ما يخرج من باطن الأرض و ما يسير فوقها لذا تسائلت الشمعة أتظل الجنه بعد المغيب ؟ , تشاغل القوم فلم يجيب مجيب عن السؤال ..


حين إقترب الغروب حمل كل متاعه و رحل , خوت الساحه و عصفت بها الرياح منذره بإقتراب الليل , اُنيرت المنازل بالجوار , ووُلد بها نشيد المساء امام نار المدفأه , عشاء و فراش , احضان دافئه و قبلات مختلسه , لا يملكون الكثير لكن السقف كان الغني و الهمسات المشتركه كانت الوطن ..


حملت بداية الليل جنه الإنتماء , راقبتها الشمعة لكنها لم تزرها , لم تنهض أو تبحث بل جوار الجدار ظلت ما قبل انتصاف الليل ..


سيأتي قوم آخرين و سيحملون جنه اخري , لم تعد الشمعه تتساءل من أين تأتي جنتهم و إلي أين تغيب , لم تعد تبحث عم تراه لأنها رأت ما كانت تبحث عنه منذ البدايه ..


 بأحد اروقه الزمن قبعت شمعة ظللها سوادها عن الأعين فلم يُر دخانها او يبزغ عطر لهبها , من حولها شُيدت الجنان , سبحت الحياه باحثه عن مرسي , كل آتي ورحل , حمل احلامه و مضي , و هنا هي بقت .

بأحد أروقه الزمان جوار جدارها الأسود , بقت الشمعة وراقبت جنتهم , لا احد يراها او ينتظر منها خبو أو اشتعال ..


بقت عالمه أن لا جنه تحمل لها الإنتماء و كل الجنان لها وطن ..

فهي وحدها هنا , خارج حدود الازمان و قيد المكان ..

0 comments: