حين اعتلت التل كانت
تعلم أن من هم بالأسفل لن يروها , حتي حين اطلت عليهم .. لم و لن يروها ..
بينما جلست هي مراقبه
, إحتشد البشر بالأسفل , بعضهم ركض , تقاتل , صاح .. منهم من سقط قبل أن يفهم لِم و
كيف سقط و منهم من ظل يحاول الفوز في معركه - حتي هو - لا يعلم متي بدأت , إبتلعت
الرمال الدم فعجز القادمين عن رؤيه الموتي قبلهم ..
البعض الآخر مضي في
صمت علي حافة الشاطئ , لتفادي الأمواج و القتال عصبوا اعينهم , لم يروا مصدر
الأصوات التي سمعوها فظنوها وسوسة لا اكثر , نمت لديهم القناعه بأن للنهاية طريق
واحد و هم به سائرين , من سقط منهم إبتلعه البحر لذا لم يتعثر أحدهم بجسد سبقه ...
بالماء أبحر قلائل
طالبين الرزق , رموا شباكهم فأطاع البحر و إنبثقت من جوفه الخيرات , حملوها إلي
القارب لكنهم لم يستمروا في الإبحار بل عادوا إلي الشاطئ , منهم من حمل رزقه وغطي
عينيه لينضم إلي السائرين و منهم من حاول توزيع ما ناله علي المتقاتلين , توقف
البعض عن القتال مستقبلاً العطيه بينما رفض آخرين , دفعوا حامل المعونه إلي
الإنهيار فتقاتل بينهم و سقط الرزق ليُدفن بين الدم و الأقدام ..
من حين إلي آخر
يهرب مقاتلين إلي صفوف العُمي بعد أن نالهم اليأس , و مِن العمي مَن ينزع العصابه
ليقاتل أو ليهرب إلي البحر فيبحث عن الطعام أو يظل هارباً إلي أن يغرق ..
مضي الزمن و انطفأ
وهج البحر , إسودت الرمال و لازال القوم كما هم , صرخت أرواحهم راغبة في الخلاص
لكن الأقنعة التي وضعوها منذ الأزل إنصهرت داخل أجسادهم و خارجها محتجزه الروح ,إعتادوا
رائحه الدم و الملح , و إعتادوا رؤيه الجسد أو الظلام , إبتلع الماء من ابتلع و
دفنت الرمال ما دفنت لكن الأقنعه وُجِدت و بقت ..
بلحظة ما توقف
الزمن و تسمر القوم إثر شذا جلبته إليهم الرياح من أعلي التل , الكل أغمض عينيه و
تنفس عبق حمل ضياء الملائكه , ظلال الشياطين , و نسيم آخر خارج حدود التعريف , اهو
عطر للذكريات ؟ , أم الحب ؟ , ربما هو عطر الشتاء أو دفء السكينة , لم يكن للعطر
تسمية لكنه حمل لكل شخص ما جعل روحه تبتسم و مِن خلف القناع إبتسم جسده ايضاً ..
لوهله توحد الجميع
في صمت حضره الشذا , تشبعت به ارواحهم لكنهم لم يبحثوا عن مصدره , لم يرفع أحد
عينه إلي أعلي التل ليري من أين يأتي العطر , أغمضوا أعينهم مكتفين بما هو موجود
دون البحث عن المسبب , إستهلكوه فنفذ فعادوا للقِتال ..
ظلت هي بالأعلي
تنظر و تنتظر , كانت تعلم أن القتال مستمر إلي أن يفني من هم بالأسفل , أشفقت
عليهم من حرية لا يروها , من نكران عالم آخر رفضوا الإعتراف بوجوده لأن التكذيب
أسهل من التفكير , لم تكن الأقوي , أو الأعلي , و بالتأكيد لم تكن الاجمل , لم تكن
ملاكاً أو شيطان لكنها رفضت القتال , رفضت طريق العُمي و رفضت البحر , وُلدت ناظره
إلي أعلي , بحثت عن الطريق إلي التل و له اخلصت ..
حلقت و احترق جناحيها لكنها وصلت إلي حيث يبدأ و
ينتهي كل ما لا وجود له , رأتها الشياطين فأغوتها , و رأتها الملائكه فأحنت عليها
, رأها البشر فأنكروها , و رأتها الأطياف فحاربتها .. لكنها إلي أيهم لم تنتمي و
لم تبحث عن الإنتماء ..
كانت تنتمي إلي
الطبيعة , إلي التراب العابث أسفل قدميها حيث يولد كل حي و يموت , إلي الأشجار
خلفها حيث الأسرار و الصمت , إلي النسيم العابر من بين أصابعها حامل معه الحرية , إلي
السحب حيث الصبر إلي نبع الماء حامل غموض الكون و شفافيته , و إلي السماء حيث
المعابر إلي عوالم ما خلف الرؤيه ..
إنتمت إلي رائحة
الفجر المنعشة و خيوط القمر البارده , إلي دفء نسيم الفاكهه و ألوان الزهور
الصادقة , إلي سمو أعين الذئاب و خطايا
روح الصقور ,إلي موسيقي الجنون و أغاني العقل , كانت تنتمي إلي كون خُلقت به , لا
يشبهها و لا تشبهه , لا تحمل صفاته ولا يُطالبها بحملها لكنها احبت كينونته ..
لم تحاول السقوط
إلي الأسفل حيث الآخرين أو التحليق إلي الملكوت , فقط إتخذت من التل مسكناً كي تكتب
علي صفحات الرياح كلمات , كتبت عن روحها و روحهم , عالمها و عالمهم , عن الحرية و
القيد , عن الجنه و الجحيم وعن شجرة النفس الخطيه ..
دونت ما هو خلف
الجدار بلغة من هم بالجهه الأخري منه , ثم نثرت تدوينها فإستنشق الآخرين شذاه و
سعدوا , احبوه و احترموه و إهتموا .. لكنهم ظلوا عاجزين عن قراءه الكلمات ..
لم تتوقف عن
الكتابة لأن جل ما استطاع النفاذ إلي أسفل التل هو الحروف , و لأنها كانت تعلم أن
يوم ما سيرفع أحدهم عينيه فيراها و يري التل , سيبتسم لها لا للشذا ..
يوم ما سيقرأ احدهم
الكلمات ..
0 comments:
Post a Comment